لا يمكن لأي مقدمة أن تتناول الشعر المعاصر في إيران التغاضي عن يوشيج ، فقد كسر بقصيدته ( أفسانه ) الخرافة الصمت الشعري

لا تستوعبه المقدمات
حمزة كوتي – أحمد حيدري
إعداد الملفات التي تحاول إستيعاب و رصد الحركة الأدبية لبلد ما تكمن الصعوبة في تتبع مراحل الجهات و الحركات و المدارس الأدبية للبلد المرصود . خاصة إذا تعلق الأمر ببلاد مثل إيران إذ لن تكون الصعوبة مرتبطة فقط بالكم الشعري بل في الأحداث التي رافقت الشعر و تركت بصمة أو ظلا عليها و فيها .
في هذه الأسطر التي لا تستوعبها المقدمات سوف نلاحظ بعض النقاط التي سوف تثير جدلا في عملية محاولة الإبتعاد عن تشبيه وربط الخارطة الأدبية في إيران بمفردات تهمش أو تصغر أو تحيل التجربة الشعرية الى مجرد صورة أخرى جاءت عن طريق النسخ ، أولها عملية ربط تشابهي بين الشعراء العرب و الشعراء الإيرانيين في محاولة لتقريب الصورة ولكنها تأتي من بعض الكتاب جزمية متخذين المشتركات دافعا فتلخص تجربة الشاعر ( أو أي أديب ) بومضة مقارناتية تسيئ لكلا الشاعرين و للقارئ أيضا و ما حضور بعض المفردات أو المصطلحات هنا إلا إشارة فقط و حبسها بين قوسين لكي لا تمتد أكثر من ذلك.
ثانيا : الربط بين التيارات و المدارس الشعرية العربية و الإيرانية حتى في التسمية ( المصطلح ) بشكل يوحي بتشابه التجربة بل أحيانا بخلق عقلية تجزم بأنها واحدة و تسير في إتجاه واحد بيد أن هناك إختلاف بين التجربتين يصغر أو يكبر .
ثالثا : التأكيد على المشتركات الأدبية أو الثقافية لا يعني أبدا أن كلا التجربتين سلكتا نفس الطريق و هي نسخ مكررة للوصول الى عملية التفضيل أو السبق في أيهما بدأ أولا ؟ و من قدم قبل الآخر ؟ ، حتى نفس المشتركات تحمل طابع بيئتها و تأثير الثقافة و متعة التجربة في جغرافية أخرى و إن كانت قريبة جدا منا .
و من الصعوبات التي تُواجه حصر و جمع أهم التيارات و تلخيصها في جمل سريعة قد لا تكفي لسد الثغرات في الخريطة الشعرية في إيران ، فكل مرحلة رافقتها حركة ترجمة ساهمت في خلق مدرسة أو تيار بيد أنه أو أنها زاخرة ببيئتها ، لكن رغم كل ذلك ( يجب ) أن نكمل المحاولات .
سوف يلاحظ القارئ تنقل الشعراء من تيار الى آخر في زمن قصير أو إقحامه في تيار لم يسمع الشاعر عنه مما يدل على زخم التجربة و نشاطها في فترات لحشد الشعراء أو حب تأسيس المدارس على حساب الشعر .
من المهم جدا ذكر أن هناك ثغرات لا تملئ إلا في تقصي تجربة بعض الشعراء كل على حدى للوصول الى عمق تجربتهم و تأثيرهم على الساحة الشعرية ، أي أن تتاح فرصة لتقديم ملف يركز على تجربة شعرية و توالد نصوصها.
كانت المحاولة هنا في تقديم خارطة لا تكرر السابقات من أخواتها و تلخص ما عرف عن بعض الشعراء المعاصرين و تقديم ما أضيف أو أستجد في الساحة الشعرية و تبقى رغم ذلك محاولة تدفع للمطالبة بالمزيد.


نيما يوشيج (علي اسفندياري) بيان قصائدي

لا يمكن لأي مقدمة أن تتناول الشعر المعاصر في إيران التغاضي عن يوشيج ، فقد كسر بقصيدته ( أفسانه ) الخرافة الصمت الشعري الذي ساد على بنية القصيدة و سيطر على مفرداتها ، دخل بإسطورته لينحت قصيدته النيمائية ( التفعيلية ) و يأخذها الى سماء أعلى أشعلت الدهشة في عيون الشعراء الشباب المعاصرين له عندما رفعوا رؤوسهم مع خرافته الى الاعلى ، هناك شعر لم يقل بعد ، هناك أرض بكر بعد ، و هناك خرافة شعرية عليهم إكتشافها .
تبلورت فكرة نيما في تغيير شكل القصيدة و موسيقاها و خرق القوانين الصارمة لولادة الشاعر عبر ركونه الى ذاته و التعمق بها و الإرتداد الى ذات الشاعر الى أقصى مدى في حين كانت هناك المشروطة ( الثورة الدستورية ) التي أخذت النص ( الشعري و النثري ) الى تركيبة شعاراتية موظفة لخدمة الحزب و القومية .
من جانب آخر كان المعارضون لمشروع نيما الشعري من أهمهم و أعلاهم صوتا برويز خانلري ( و هو أول مترجم لقصائد الشاعر النمساوي ريلكة و ترجمته كانت نثرية ) و كان رئيس تحرير مجلة سخن الأدبية و التي كانت منبرا للأصوات الكلاسيكية و المعارضة للجديد ، و الدكتور مهدي حميدي شيرازي و هو يعتبر من أهم شعراء الكلاسيكين في إيران رغم أنه طرح في فترة من حياته الشعرية فكرة مغايرة للشكل الشعري .
تراجع خانلري عن بعض آرائه التي تتعلق بمعارضته للشعر النيمائي بعد أن كان يمنع أي صوت شعري يقارب تجربة نيما أو يحاول كسر الحصار الشعري .
مما يثير التساؤل هو : لمَ عارض خانلري نيما رغم أنه هو من أوائل من بدأ في ترجمة الشعر الحداثي الأوروبي نثرا ؟
ما زال النقاد هنا لم يعتنوا في مجاوبة أو الإقتراب منه . وما زال نيما الى الآن يشغل حيزا كبيرا في ولادة النصوص النقدية ، ومازال يشكل خطرا على الشعراء حتى إجبارهم الى هذه اللحظة للإعلان عن خروجهم عنه في شبه بيانات شعرية كما سوف يأتي .
الحلقة النيمائية

لم يكتف نيما يوشيج بتقديم خرافته بل كان يتواصل مع معظم الشعراء الجدد و مع من يريد الإقتراب من الخرافة الشعرية ليفهمها مازالت كلمات يوشيج عالقة في الأذهان عندما قال : إكتبوا ما يشعل فيكم الشعر ، إكتبوه كما هو حتى لا تتكرروا كما تكرر الشعراء بصورة مشوهة .
من المهم أن نذكر أسماء شعرية إرتبطت بيوشيج ليكونوا بعد فترة قصيرة قامة شعرية قائمة بذاتها ، و عرفوا في بداياتهم الشعرية بالشعراء النمائيين :
الجيل الأول : أحمد شاملو ( ألف . بامداد ) ، مهدي إخوان ثالث ( م . أُميد ) ، سياوش كسرائي ( آرش كمانكير ) ، هوشنك إبتهاج ( ه . ألف . سايه ) ، إسماعيل خوئي ، نادر نادر بور ، إسماعيل شاهرودي ، فريدون توللي
الجيل الثاني : سهراب سبهري ، منوجهر آتشي ، شفيعي كدكني ، ، محمود مشرف آزاد طهراني ( م . آزاد ) ، فروغ فرخزاد
من الجدير بالذكر أن هذين الجيلين كانت صدمة نيما لهما هي إطلاقهما من المحبس الشعري ليقوم كل شاعر بتأسيس شبه مدرسة ، إذ هذه الحلقة هي التي سوف تغير خارطة الشعر و وجه القصيدة .


أحمد شاملو و إنفجار القصيدة البيضاء ( سبيد ):

أحمد شاملو الذي أرعبته القصيدة النيمائية و راى فيها أكسجينا شعريا نقيا يخرجه من تراتيبية القصيدة لم يعد يتحمل ذلك الأفق النيمائي و لم تعد القصيدة النيمائية تكفيه و تستوعب مفرداته الشعرية و قد إمتلئ منه و رأى عن طريق متابعة الشعر العالمي أن هناك ما هو أبعد في الشعر لم يلمس في إيران ، فكان الشعر السبيدي ( قصيدة النثر ).
ديوان شاملو ( آهنكهای فراموش شده ) الألحان المنسية حددته كشاعر خارج من الشرنقة النيمائية ، لكنه ندم على نشر هذا الديوان ولم يعد طباعته أبدا و إعتبره تفاهة لا غير (1) .
يغفل الكثير من النقاد و المؤرخين في إيران الدور الذي قام به فريدون رهنما القادم من فرنسا و أهم ما عاد به حقيبة ملئية بالشعر الحداثي باللغة الفرنسية و الإنجليزية و كان قد بدأ في ترجمة ما إحتوته هذه الحقيبة إن كانت ترجمة معدة للنشر أو ترجمة لمن تحلق حوله ليسمع ما يقوله الآخرون.



1- أعاد إبن أحمد شاملو سياوش شاملو طباعة الدوان بعد ممات الشاعر مؤخرا .


شعراء الحقيبة :
لوركا ، بول إيلوار ، اراغون ، اندريه بيرتون ، غيوم ، أبولينير ، رفائيل البرتي ، خمنث .....
تعرف شاملو على فريدون رهنما لم تكن صدمته بشعراء الحقيبة أقل وقعا من صدمته بشعر نيما يقول شاملو :

كدت أتحجر في نيما عندما عثرت فجأة على الشاعر الوار ، و تقريبا في تلك الفترة تعرفت على فريدون رهنما بعد عودته من فرنسا التي قضى فيها أعوام طويلة بمعرفة أدبية و موسيقية و بمعرفة للثقافة الغربية و الشرقية ، تعرفي على فريدون رهنما الذي يعرف الشعر المعاصر الفرنسي كما يعرف جيوب ألبسته هي الواقعة الكبرى التي كانت يجب أن تحدث في حياتي ، بمساعدته المعطاء _ كنا عبارة عن حفنة من الطاقات المتناثرة لا نكمل الطريق و ليس لدينا حتى قدرة شراء الكتب _ فتح لنا آفاقا للكتاب و الموسيقى و للعالم . منزل فريدون كان ملجئ الأمل و مدرسة لنا . أصبح لنا فريدون قاموسا نجد عنده ما نبحث عنه .
على أي حال فضل فريدون رهنما على الشعر المعاصر هو معادل ، بعد نيما يوشيج ، كفضل كرستوف كلمبو على أمريكا .
كان الوحيد الذي يأيدنا و يشجعنا و يعطينا الكتب و يحاورنا حتى أنه يعطينا المال لطباعة كتبنا ( الطبعة الأولى ل القطعنامه كانت على حسابه ) .




موج نو ( الموجة الحديثة ) :
من أبرز أصوات موج نو الشاعر أحمد رضا أحمدي و الذي كان متأثرا بسهراب سبهري و بيجن جلالي .
شعر الموجة الحديثة يعتمد الغنائية و الصورة الشعرية ، من أهم ركائزه : الغيمة ، الريح ، الشجرة ، زرقة السماء ، اليوميات الذاتية .
تجد النص الشعري مرتبا الى أقصى حد ، فلن تقع على حرف في غير موضعه و عند إنتهاء كل جملة توضع نقطة لتكون بداية غنائية جديدة ، الجمالية الترتيبة من السمات الواضحة للموجة الحديثة .
موج نو كان و مازال مقهى يجلس فيه الشعراء الإيرانيون ليرتاحوا و يغادروا الى مقهى آخر بعيد كل البعد عن الموجة لذلك الإنتماء له صعب و سهل في نفس الوقت .


قطعنامه ( الإتفاقية )
بيان من أجل (قصيدة النثر)

قصيدة مطولة يحكي فيها شاملو : فتات الشعوب ، تحدي الديكتاتوريات ، الحس القومي ، السجناء السياسيين ......

ركزت القصيدة من ناحية أخرى على : البنية الموسيقية في داخل القصيدة و إثبات وجود قصيدة ( السبيد ) البيضاء حاملة معالم هذه المدرسة في تسمية تشبه الإعلان و أقرب الى البيان قطعنامه . الشعر السبيدي الذي كان يمثله أحمد شاملو بقوة إمتاز بالحفاظ على متانة المفردة و جزالتها مما أصبح سمة بارزة في الشعر السبيدي .بينما ولدت تيارات شعرية أخرى تنتمي الى القصيدة البيضاء ( سبيد ) لكنهم تساهلوا بالتعامل مع اللغة و شحت المفردة المجزولة كما حدث في شعر الكفتار .
استقبلت القطعنامه كما توقع لها الشاعر بإحتفال البحث عن الأفق الشعرية الجديدة خاصة من قبل الشعراء الشباب ، القطعنامه كانت إعلان بداية مرحلة جديدة و إقتراب نهاية من كان يسيطر على الساحة شعريا النيمائية .


شعر الحجم ( الشعر التكعيبي أو الموشور ) :
1960

شعر الحجم هو شبيه جدا بالمكعب الزجاجي عندما يخترقه الضوء فينقسم الى أضواء لونية ، هنا المفردة أيضا تخترق القصيدة لتتقسم الى ألوان مفرداتية يكمن مستقبلها فيها لا في غيرها .
و يركز الشاعر الحجمي على التلاعب باللغة عبر تأخير و تقديم المفردات ، و الصورة التي يقدمها كي تتنازعها الصور فيما بينها معتمدا عليها في أساس تركيبة القصيدة .
تيار شعري إبتعد عن إجواء سادت فيها صرخة الأحزاب السياسية و الإتجاهات الإجتماعية ، وضع أسس التكعيب الشعري الشاعر يد الله رؤيائي و قام بكتابة بيان لهذه القصيدة الحجمية حملت تواقيع لشعراء سيكون تأثيرهم أكبر منه كمؤسس .
الشعراء الموقعون على البيان الحجمي ( إسبانسمانتاليسم ) :
بيجن إلهي ، برويز إسلام بور ، محمود شجاعي ، بهرام أردبيلي ، منوجهر شيباني ، هوشنك تندركيا ، فيروز ناجي (1) .


1- الشاعر فيروز ناجي ترجم للشاعر الفرنسي رنيه شار .

بقي الشعر الحجمي مركونا في الزاوية الشعرية يخاطب المتلقي بوقع هادئ جدا بينما النصوص الشعرية الأخرى تصرخ في وجه الطاغية ، شعر الحجم يفتح حوارا مع الذباب ، و الآخرون ينقلون مكثفين الألم الشعبي و شعر الحجم يلاعب القطط .
و لم يهتم النقاد او القراء بالشعر الحجمي إلا في الأعوام العشرة الاخيرة .

شعر ديكر ( الشعر الآخر )
1960

شعراء الديكر هو نفس الشعراء المنتمين لشعراء الحجم ، ولكن هنا تجمع مجموعة شعرية لإضفاء طابع و نكهة أخرى للقصائد مجتمعة يغايرون فيها النمط السائد للقصيدة المعاصرة .
بيجن إلهي كان المحور الأساس لهذا الإتجاه الشعري إذ هو من قام بإختار النصوص و طباعتها في داره ( 51 ) .
أما من ناحية التسمية فلم يكن للشعراء يد فيها لأن المجموعتين اللتان صدرا تحت هذا العنوان ( شعر ديكر ) إلتصقت بشعرائها و لتقارب النصوص في طرح هدف يجمع بين الصوفية و التذكير اللغوي.
من أهم شعراء الشعر الآخر :
بيجن إلهي ، سيروس آتاباي ، بيروز إسلام بور ، محمود شجاعي ، فيروز ناجي ، بهرام أردبيلي .

ويجب أن نشير الى الحالة الصوفية و العرفانية التي تلمس بسهولة في النصوص المختارة يقول بيجن إلهي (1) :
شعر الحجم هو شعر إيراني كما أن التصوف إيراني و العرفان كذلك ، ونحن في الحجم نتعرفن الى أقصى العرفان .
و رغم ذلك لم يسمحوا للعرفان بالسيطرة على لغتهم الشعرية الى درجة قتله بالبعد الإشراقي بل كانت هناك ملازمات فروسية أو تذكير لغوي ، حاملا تناقض التصوف و الفروسية الذكورية لكنه الشعر عندما يكون الآخر .





1- قام الشاعر بيجن إلهي بترجمة ( الإشراقات ) للشاعر آرثر رامبو و شطحيات الحلاج و المجموعة الكاملة للوركا و الجموعة الكاملة لهولدرلين و أكثر هذه الأعمال غير موجودة في الأسواق الآن الى درجة ندرتها إذ لم يعد طباعتها أبدا .






شعراء الكُفتار :

الكُفتار أو الحديث أو الكلام ، الشاعر في الكُفتار يكتب قصيدته كما يتحدث أي يعيش قصيدته كما يعيش يومه غير عابئ بجمال المفردة أو وقعها المهم هو أن يكتب ما يعيشه الى حد التعمد في كتابة المفردات بأخطائها متناسيا المعجمات و قوانينها .
بدايات الكُفتار كانت قبل الثور الإسلامية في إيران في قصائد مبعثرة لكنها تماسكت مع أهم أصواتها سيد علي صالحي . ذهابه الى طهران و دخوله إتحاد الادباء غيّر نظرته للشعر مما أدى الى تراجعه عن فكرة موج ناب ( التي ستذكر ) و الدخول في مغامرة شعرية أخرى .
يقول الشاهر صالحي عن أسباب خروجه عن الموجة النقية :
( السبب الأساس هو تكرر أصواتنا الشعرية ، أي نحن كمجموعة أصبحنا صوتا شعريا واحدا لا يتغير .
من أهم شعراء الكفتار :
نصرت رحماني ، مجيد زماني أصل ، محمد حسين جعفريان ، علي باباجاهي ، سيد حسن حسيني .......
و يذكر هنا أن فكرة شعر كفتار هي قديمة جدا جاءت في نصوص متفرقة لكنها لم تظهر كتيار أو مدرسة مثل : قات أُوستا ( أناشيد زرادشت ) و أيضا في قصائد حافظ الشيرازي و في نصوص مولوي .
و قد إستمر التيار الكفتاري الى الآن يقدم مفردته الشعرية رغم أن هناك شعراء أعلنوا عن عدم إنتمائهم الى أي تيار شعري يحدد نصوصهم و خاصة التيار الكفتاري .


موج ناب ( الموجة النقية ) :
1957

في الجنوب الغربي من إيران في محافظة خوزستان في تلك المدينة الحارقة ( مسجد سليمان ) إمتدت موج ناب ( الموجة النقية ) ، الموجة لم تُحس بيد أنها سرعانمَ إرتفعت لتغطي أي جزيرة شعرية تقع في مداها .
جالت فكرة الموجة في ذهن السيد علي صالحي ( كان آنذاك في ال20 من عمره ) مع تأثره بفكرة شعر ديكر ، أراد للموجة النقية أن تحتل بنقاوتها مساحات شعرية لم تعرف بعد ، معتمدا على إدخال عنصر تراثي ( الثقافة البختيارية ) .
رحب الشاعر منوجهر آتشي بفكرة هؤلاء الشباب فنشر لهم في مجلته ( تماشا ) دعما لهم ولفكرتهم الشعرية ، إضافة لذلك ساعد آتشي في نشر أعمالهم الشعرية لتمتد الموجة النقية .
كذلك فعل الشاعر نصرت رحماني و الشاعر إسماعيل خوئي و القاص و الروائي غلام حسين ساعدي .
لفهم نص هذه الموجة من المهم جدا فهم الثقافة البختيارية التي دخلت بكل ما تحمله من عادات و تقاليد و رموز . فالشاعر ينشر لهجته البختيارية في قصيدته و مفردات تراثها التي باتت تشكل هنا الرموز الشعرية أو الطلاسم لحل القصيدة .

أهم شعراء موج ناب :
سيد علي صالحي ، سيروس راد منش ، آريا آريا بور ، حميد كريم بور ، هوشنك جالنكي .

إنعكست الموجة النقية على شعراء عديدين و خاصة في جنوب غربي إيران فأدخلوا ثقافاتهم المحلية لنصوصهم ليعتمدوها كدعائم أساسية في بنية النص الشعري نذكر هنا شاعرين إنتموا لهذه الموجة و قدموا نصوصا إبداعية :
سيد نعيم موسوي ( 1) ، محمود نائل .



1- ترجم مختارات للشاعر نزار قباني .


شعر ، به دقيقه أكنون ( الشعر ، بالدقيقة الحالية )

ظهر كتابان يحملان عنوان ( شعر ، به دقيقه أكنون ) و هو مختارات شعرية لمجموعة من الشعراء قامت الشاعرة فيروزه ميزاني بإختيارها لتقديم الواقع الشعري في إيران في آخر دقيقة له و لتدل القارئ على أجدد مفرادات شعرائهم .
أخذت التسمية بالإنتشار و التوسع تحت هذه التسمية و لكنها لم تصل أبدا الى مرحلة مدرسية أو إتجاه شعري بل مع الكتابين إنتهى دورها إذ الدقيقة الشعرية لم تتوقف و لن .
يذكر أن النقاد أو الشعراء دائما ما يشيرون و الى الآن الى أن من يريد دخول الشعر بإحتراف عليه بقراءة شعر به دقيقه أكنون حتى يكتمل لديه المشهد الشعري و مراحله .
وركزت فيروزه بإختيارها على النصوص القصيرة حتى بات هذا الطابع هو المسيطر على مختاريها الشعريين و هي من الناحية الفنية قد إختيرت لما تتمع به النصوص من جمالية طاغية و شفافية تتفجر رغم قصرها لإشعال اللحظة الشعرية الراهنة في إيران .

أهم أسماء الشعر ، بالدقيقة الحالية :

فرامرز سليماني (1) ، سيروس رادمنش ، فيروز ناجي ، هوشنك جالنكي ، قاسم آهنين جان ، فهيمة غني نجاد ، بيجن جلالي ، هرمز علي بور ، أريا آريا بور .




1- قام بترجمة قصائد بابليو نيرودا .


رضا براهني ( شعر زباني ):
رسم رضا براهني قصائده الأولى بالألوان النيمائية ثم تحول الى الشعر السبيد لكنه لم يستقر فإرتضى لنفسه تيارا خاصا .
صدر الديوان الأول لرضا براهني قبل الثورة الإسلامية مثبتا منذ البداية شاعريته ، و في نفس الوقت تمتع الشاعر براهني بروح نقدية ثاقبة ، ففي كتابه النقدي ( التاريخ الذكوري ) حلل النصوص الأدبية القديم منها و الحديث و ميز اللغة الذكورية فيها التي واكبت النص الفارسي بل سيطرت على الأدب و الثقافة الإيرانية و قد أثار ضجة في الأوساط الأدبية في إيران .
شعر زباني ( الشعر اللغوي )
( خطاب به بروانه ها ) خطاب الى الفراشات هو الديوان الذي أعلن فيه الشاعر براهني عن خطاب شعري جديد يعتمد اللغة إعتمادا يختلف عما سبقه ، وهو ديوان أقرب الى البيان الشعري لتأسيس خطاب جديد .
الجسد الشعري الإيراني عانى في فترة الحرب من وقفة بل أصابته سكتة شعرية ، كان يحتاج الى إنعاش مستعجل بعد أن لمس الشعراء أنهم تخلفوا ليس فقط عن الركب الشعر العالمي بل حتى عن التجارب التي كانت قبل الثورة و بعدها فكان الشعر اللغوي مع براهني إنعاش للجسد الشعري بخطاب جديد .
أذ براهني في ديوانه برسم خارطة مستحدثة تعتمد تغيير القصيدة و الخروج عن قوانينها الحديث منه و القديم . متأثرا بمفكرين مثل دريدا و رولان بارت و ياكسبون .
الشعر الزباني نجد الشاعر فيه يفلت من قوانين لغته القديمة محاولا كسر البنية و كسر إرتباط الفعل و الفاعل و المفعول ، فقدان المعنى الزمني و الزمن الإيدلوجي للخروج على الإيدلوجيات قاطبة فيتحول الزمن في النص زمن لا متناهي أو فوق نفس الزمن ، واللغة هي وليدة اللحظة الشعرية ، لغة لقيطة لكنها في نفس الوقت تحمل معنها أو ذاتها و بعدها حين ولادتها الشعرية ، واللغة ليست معبرا لموضوعات مثل الحب و الحرب فقط بل لطرح الحب و الحرب في تركيبة لغوية شعرية تتعمد الخروج عن موضوعات الحب و الحرب عبر لغة تتلاعب بهما كيفما شاءت لتتركهما عجينة لغوية رخوة و عصية ، دوران يبقى معلق بين سماء و أرض .
الفارغات الشعرية / اللغوية التي يصادفها القارئ تترك مساحات بين الكلمات و الأفعال ليكمل القارئ المعنى حسب قراءته ، أي أن القصيدة تبقى مفتوحة لتكون قصائد مع كل قراءة .
الفراغات الممتدة مساحة تترك للقارئ فرصة التفكير لربط الكلمات و الأفعال ببعضها مساحة هادئة أو صاخبة للتفاعل مع النص و لغته المتناثرة في زواياها المضيئة أو المعتمة ليجد القارئ نفسه يواجه كون القصيدة أو كون الكون و في نفس الوقت ينفي الكون و نفي الكون هو نفي للغة .
إذاً حركة القصيدة هي حركة دائرية و حلقوية توصل الى نفي لغوي .
قلة من الشعراء المعاصرين و خاصة الشباب فهموا ما يحاول رسمه الشعر اللغوي و جاءت أكثر التجارب نصوصا مستنسخة لما سبقها و أحيانا الدخول في متاهة أبعدهم عن هذا الخطاب الشعري .
تجربة رضا براهني رغم أنها حديثة و هي مطروحة بقوة بين الشعراء الشباب تحتاج الى وقفة أكبر من هذه لإستيعاب حركتها و لإستيعاب خطابها ، و في نفس الوقت هناك الكثير من المعارضين لها من الشعراء الشباب رغم ممارستهم لها لا يودون أبدا أن يعرفوا بإنتمائهم اليها .

ليست خاتمة
تبقى الساحة الشعرية في إيران رغم كل ما ذكر تمارس كل أشكال الشعر المتناهي في القدم و الجديد ، و تحتاج الى رصد أعمق للخروج بحصيلة ترضي القارئ عن الإتجاهات و الحركات الشعرية في إيران ، ولكن المتوقع هو بين فترة و أخرى ستكون هناك دهشة شعرية تهز الوجدان الشعري قد تولد في الأعوام القادمة .